Monday, August 23, 2010

من التالي؟

ثلاثة زملاء في المرحلة الثانوية، ومثلهم في المرحلة الجامعية، وابن عمتي، وابن ابن عمي، وشقيق صديقي، والعديد من المعارف، رحلوا عن دنيانا رحمة الله عليهم، وكلهم تجمعهم حوادث الطرق الكويتية للأسف.

وأنا على يقين بأن هذا الأمر ينطبق على الغالبية العظمى إن لم يكن مطلق المجتمع الكويتي، فمن منا لم يفقد قريباً أو صديقاً أو زميلاً بسبب الطرق، بل إنني منذ بداية أغسطس إلى اليوم قرأت وعلمت بأكثر من عشرة أشخاص رحلوا بحوادث الطرق، وهو ما يعني حالة وفاة واحدة كل يومين سببها الطريق الذي لا نستطيع الاستغناء عنه.

وعلى الرغم من جهود وزارة الداخلية التي حولت شوارع الكويت إلى ستوديو كبير بكثرة الكاميرات المتناثرة في أرجاء الكويت، وعلى الرغم من زيادة أسطول دوريات المرور، وعلى الرغم أيضاً من زيادة وسائل السلامة في المركبات، فإن هذا كله لم يوقف ضحايا الطرق، فقد أكون أنا الضحية التالية، وقد يكون أي قائد مركبة آخر حتى لو كان ماهراً كشوماخر أو جاهلاً بالقيادة، بل حتى النصيحة التي يكررها لي عمي منذ حصولي على الرخصة لا تفيد فهو يقول: 'اعتبر أنك الوحيد الذي تجيد القيادة في الشارع كي تأمن المخاطر'، كل هذا لم يُجْدِ نفعاً والضحايا في ازدياد.

والملاحظ هنا أنه على الرغم من أن أكثر الضحايا الذين فارقوا دنيانا من فئة الشباب، فإننا ولله الحمد لا نسمع عن ضحايا من شبابنا المبتعثين في الخارج، وتحديداً في الدول المتقدمة، مع أن نسبة تفوق الألف شاب يغادرون سنوياً لاستكمال تعليمهم في الخارج، وهو ما يجب علينا أن نفهمه جيداً. فالعلّة كما هو واضح ليست في قدراتنا على قيادة السيارات بقدر ما هي في مدى احترامنا وحرصنا على إعطاء الطريق حقه.

فما هو المختلف في شوارع بوسطن عن شوارعنا؟ وما هو الحامي في طرق ليفربول وغير متوفر لدينا؟ وكيف تختلف الفورد الأميركية في أميركا عن مثيلتها في الكويت؟ لا أعتقد أن هناك ما يختلف، إلا أن النصوص مطبقة هناك، فالمخالف يحبس سواء كان شقيق أوباما أو مواطناً آخر، والهارب يطارد سواء كان حفيد إليزابيث أو بريطانياً غيره، وهو ما نفتقده، بل ونسعى إلى تهميش أي نص رادع والالتفاف حوله رغم علمنا بأننا مخطئون، وهو أمر لن نستطيع تغييره للأسف بين عشية وضحاها، ولكن لابد لنا أن نبدأ به كي نقلل على الأقل من الأرواح المهدرة.

إني أكتب اليوم لأني أحب ألا يتكرر حزني برحيل مفاجئ سببه رحلة قصيرة في الطريق، أو أن يحزن أهلي بسبب رحيلي وأنا في الطريق، كلما تفكرت في الموضوع أصبت بالرعب من هول مفاجأة قد تلامسني أو تلامس غيري، لذا لابد أن نبدأ كي نوقف قدراً كبيراً من الألم يتفوق على جميع آلام الحياة الأخرى.

خارج نطاق التغطية:

غبقة لـ'صوت الكويت' يوم غد الثلاثاء في مقرها بالخالدية داخل أسوار الجمعية الثقافية النسائية، فرصة جميلة للقاء مَن لم نلتقِ بهم منذ مدة فأسعدونا بها.


الجريدة بتاريخ 23-8-2010

Monday, August 16, 2010

شكرا يا إمارات

زوبعة خليجية أثيرت أخيراً حول 'البلاك بيري' ومنعه، ولأننا كويتيون فنحن لا نحب أن يفوتنا أي حدث دون تعليق، فبين سخرية وحذر من أن تحذو الكويت حذو الأشقاء الخليجيين تفاوتت حواراتنا ورسائلنا، ولكن المفاجأة، لا ليست بمفاجأة، هي إنجراف حكومتنا الرشيدة في معمعمة تلك الزوبعة. فكأن رشيدتنا تتصيد أي خبر قمع حريات كي تصرّح، فقد طمنت أهل الكويت بأن المنع لن يطال الكويت في 'الوقت الحالي'، وأضع تحت الوقت الحالي ألف خط.

رشيدتنا المسكينة تعتقد أنه لو جهل بعض الناس حقوقهم وواجباتهم الذين جبل أباؤهم عليها ورسخوها بميثاق عزيز يدعى الدستور، فإننا سنصمت ونجعل المركب يسير حسب رياح الرشيدة.

لمن يجهل فقط وما أكثرهم، فالنص الدستوري المكتوب قبل 50 عاماً تقريبا مفصّل للرد على ما لن 'يمنع في الكويت بالوقت الحالي' حسبما ترى الرشيدة، حيث ينص على أن: 'حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة وسريتها مكفولة فلا يجوز مراقبة الرسائل أو إفشاء سريتها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه'.

نعم يا حكومتنا لا يجوز حتى وإن رغبتِ، لا يجوز لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل، أن تمنعي الحرية أو حتى أن تفكري في مراقبتها، فنحن ومع احترامنا للأشقاء في الخليج وتحديداً في الشقيقة الإمارات ولإنجازاتها وتقدمها وقفزاتها السريعة، إلا أنها لا تملك ما نملك، فقرار المنع الذي صدر برغبة سلطة لا يمكن واستحالة أن يصدر في الكويت، لأننا باختصار، رغم تذمرنا وسوء أحوالنا، لدينا ميثاق يجعلنا نفرض الحرية ولو أبت السلطة، فشكوى واحدة من متضرر مباشر من أي منع كفيلة بأن تعيد الأمور إلى نصابها ومكانها السليم.

نعم نحن نغبط الأشقاء على ما وصلوا إليه، لكننا لن نستبدل تقدمهم بدستورنا ما حيينا، فالرخاء المبني على الأمزجة والأهواء يتحول إلى شقاء بجرّة قلم لديهم. أما نحن فهدية الآباء والأجداد لن تمحى أبداً لأنها استبدت في منحنا الحرية وما أروع ذلك الاستبداد، ولن يتمكن كائن من كان من تقليص الحرية إن التزم بالدستور، وإن لم يلتزم فسنكون له بالمرصاد في قضية كـ'البلاك بيري' أو غيرها.

لذا فالرسالة الأخيرة لرشيدتنا، إن عدم المنع ليس هبة تتفضلون بها علينا وتحددون مواعيدها لنا، بل إنكم لا تملكون أي قرار في حريتنا وليس لكم سوى تنظيمها في حدود القانون، وهو أقصى ما يمكن لكم فـ'لا تمنّون لأنكم ما تقدرون'. وشكراً للشقيقة الإمارات على هذا المثال الحي الذي قدمته لنا كي نعرف ما نملك ونفخر به.

خارج نطاق التغطية:

تجديد جواز السفر يحتاج إلى شهر كامل كي يتم بعد أن كان لا يستغرق أكثر من يومين أو ثلاثة، وهو ما يعني المقدرة على إنجاز هذا الإجراء في فترة زمنية قصيرة، فهل الداخلية تطمح الى التردي في خدماتها؟

الجريدة بتاريخ 16-8-2010

Monday, August 09, 2010

داود حسين المخرّب

شخصية الهندي والشامي والمصري والعراقي والإيراني وبالطبع الخليجي، كلها شخصيات ومجتمعات أثرت في تكوين هوية المجتمع الكويتي، بل لا تكاد تخلو عائلة كويتية من أواصر ترابط مع إحدى هذه الدول والمجتمعات، فهم إما أن يكونوا جيراناً لنا تنقلوا أو نزحوا إلى الكويت وإما أن أعمالنا ارتبطت بهم كالتجارة والتعليم وغيرها.

ولو استثنينا روابط الدم التي تجمع الغالبية العظمى بهم، فإننا لن نستطيع أن ننكر حقيقة أننا في حياتنا اليومية مجبرون قسراً على التعامل معهم فهم يشكلون ثلثي تعداد الكويت العام.

أسوق هذه المقدمة الطويلة لتفنيد فكره سمجة برأيي تلك التي تعتقد أن تقديم أعمال تلفزيونية تتمحور حول شخصيات أجنبية محيطة يعد تصديراً للثورة والأفكار الدخيلة على مجتمعنا!

أولاً: إن كان عمل تلفزيوني قوامه 30 حلقة يهدف إلى التسلية هو ما سيفرِّق المجتمع، فإن هذا المجتمع هش ضعيف بائس من الممكن أن تهزه ثلاثون ساعة تلفزيونية، وهو بحاجة إلى إعادة تهيئة بدلا من منع عرض مسلسل.

أما ثانياً: فإن ما يقدم اليوم من أعمال ليس من ابتكار داوود حسين أو غيره، فأمهات أعمالنا كدرب الزلق والأقدار ضمت الهندي غلام والمصري فؤاد بن سعيد باشا وزواج قحطة من نبوية المصرية ومهدلي الذي لا يتقن العربية وغيرهم، مروراً بالكثير من الأعمال التليفزيونية التي رسّخت واقع المجتمع بوضوح بأنه مجتمع مختلط يضم الكثير من الجنسيات شخصياً جدتي رحمها الله إيرانية الجنسية ولست الكويتي الوحيد في ذلك بلا أدنى شك، لذا فإنني إن شاهدت عملاً عن جدة إيرانية أو أخوال من نفس الجنسية فإنني بالتأكيد سأراه أمراً واقعياً لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بعقول ضحلة تعتقد أن إيصال تلك الشخصيات عبر الإعلام المرئي مخطط ومدبر لتفريق المجتمع وتقسيمه، وإن كان حقاً كما تقوله تلك العقول، فهو بكل تأكيد سيعيدنا إلى 'أولاً' السابق ذكرها.

ختاماً، فلو أنجبت نبوية من قحطة فإن أخوال أبناء قحطة سيكونون مصريين، ولو أنجبت زوجة مهدلي الإيرانية فإن أخوال أبناء مهدلي سيكونون من الإيرانيين، فهل كان الأمر مدبر من حقبة الأقدار ودرب الزلق لنشر الثقافات الدخيلة على المجتمع كما يفكر بعض العقول؟!

إن كانت تلك أفكار مثقفينا والنخبة، فعلينا السلام.

الجريدة بتاريخ 9-8-2010